فصل: ذِكْرُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي مَكَانَيْنِ مِنَ الْمِصْرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَا يَحْضُرُهُمْ أَوْ غَابَ الْأَمِيرُ أَوِ اسْتُقْبِلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَصَلَّوَا الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ أَمِيرٍ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَضَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّ الَّذِي يُقِيمُ الْجُمُعَةَ السُّلْطَانُ، أَوْ مَنْ قَامَ بِهَا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُمُعَةِ تَحْضُرُ، وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِمْ وَالٍ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُصَلُّونَ ظُهْرًا أَرْبَعًا هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ يَقُولُ: لَا يُقِيمُ الْجُمُعَةَ إِلَّا مَنْ أَقَامَ الْحُدُودَ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَرْبَعٌ إِلَى السُّلْطَانِ الْحُدُودُ، وَالْجُمُعَةُ، وَالزَّكَاةُ، وَنَسِيَ الرَّاوِيُّ الْحَدِيثَ الرَّابِعَ، وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ: لَا تَكُونُ الْجُمُعَةُ إِلَّا بِأَمِيرٍ وَخُطْبَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُصَلِّي بِهِمْ بَعْضُهُمْ، وَتُجْزِيهِمْ جُمُعَتُهُمْ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: وَقَدْ صَلَّى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بِالنَّاسِ حِينَ أَخْرَجُوا سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَصَلَّى ابْنُ مَسْعُودٍ بِالنَّاسِ لَمَّا أَبْطَأَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ الْخُرُوجَ، وَصَلَّى عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ، وَأَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدٌ حِينَ قُتِلَ الْأُمَرَاءُ، وَلَمْ يَكُنْ أَمِيرًا يَقُومُ لِلنَّاسِ بِأَمْرِهِمْ.

.ذِكْرُ وُجُوبِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ مَعَ الْأَئِمَّةِ الْجَوَرَةِ وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ:

قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة: 9] الْآيَةَ.
فَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ تُوجِبُ السَّعْيَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ، وَلَا إِمَامًا دُونَ إِمَامٍ إِلَّا بِحُجَّةٍ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ: إِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَحْسَنِ مَا عَمِلَ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنُوا، فَأَحْسِنْ، وَإِذَا أَسَاءُوا، فَلَا تُسِئْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيٍّ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ، وَاعْتَزَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنًى فِي قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَصَلَّى مَعَ الْحُجَّاجِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ لَا أُبَالِي مَنْ يُشَارِكُنِي فِيهَا، وَالْأَخْبَارُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ فِي هَذَا الْبَابِ تَكْثُرُ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ كُلِّ إِمَامٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ، بَرًّا كَانَ، أَوْ فَاجِرًا، مَا دَامُوا يُصَلُّونَهَا لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ وَقْتِهَا صَلَّيْتَ لِوَقْتِهَا، وَكَانَتِ الصَّلَاةُ مَعَهُمْ تَطَوُّعًا، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجُمُعَةِ مَعَ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْنَا الْجُمُعَةَ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْ يُصَلِّي بِنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة: 9] الْآيَةَ، فَنَحْنُ نَسْعَى كَمَا أَمَرَنَا اللهُ.
1861- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ، وَتَقَدَّمَ رَجُلٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ وَقَعُوا فِي فِتْنَةٍ، فَأُصَلِّي مَعَهُمْ؟، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَحْسَنِ مَا عَمِلَ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنُوا فَأَحْسِنْ، وَإِنْ أَسَاءُوا، فَلَا تُسِئْ.
1862- أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوْلَى أَزْهَرَ، قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيٍّ، وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ.
1863- أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اعْتَزَلَ بِمِنًى فِي قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَجَّاجُ بِمِنًى فَصَلَّى مَعَ الْحَجَّاجِ.
1864- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَلٍّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ لَا أُبَالِي مَنْ شَارَكَنِي فِيهَا.
1865- حَدَّثَنَا أَبُو مَيْسَرَةَ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَدِيٍّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمُثَنَّى، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ مُسْلِمٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْحَجَّاجُ يُحَاصِرُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَإِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ عَبْدِ اللهِ سَمِعَ أَذَانَ مُؤَذِّنِ الْحَجَّاجِ، انْطَلَقَ فَصَلَّى مَعَ الْحَجَّاجِ، فَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: تُصَلِّي مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْحَجَّاجِ؟ فَقَالَ: إِذَا دَعَوْنَا إِلَى اللهِ أَجَبْنَاهُمْ، وَإِذَا دَعَوْنَا إِلَى الشَّيْطَانِ تَرَكْنَاهُمْ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، وَمَا تَعْنِي الشَّيْطَانَ؟ قَالَ: الْقِتَالُ.

.ذِكْرُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي مَكَانَيْنِ مِنَ الْمِصْرِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْجُمُعَةِ تُصَلَّى فِي مَكَانَيْنِ مِنَ الْمِصْرِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ، كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْإِمَامُ.
1866- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْإِمَامُ. وَسُئِلَ مَالِكٍ، عَنْ إِمَامِ بَلَدٍ نَزَلَ فِيهَا فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، فَصَلَّى بِمَكَانِهِ الْجُمُعَةَ، وَاسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً عَلَى الْعَصَبَةِ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَتَكُونُ جُمْعَتَانِ فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى الْجُمُعَةَ إِلَّا لِأَهْلِ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي مَوْضِعِهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ جَمَعَ أَوَّلًا بَعْدَ الزَّوَالِ، فَهِيَ الْجُمُعَةُ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: الِاحْتِيَاطُ أَنْ يَجْمَعَ مَعَ مَنْ جَمَعَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ جَمَعَ مَعَ الثَّانِي لَمْ يُجْزِهِ فِي قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى فِي الْمِصْرِ إِلَّا جُمُعَةً. وَحُكِيَ عَنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُجَمَّعُ فِي مَكَانَيْنِ فِي مِصْرٍ، وَحُكِيَ عَنْ يَعْقُوبَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ بَغْدَادَ، وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَمْصَارِ بِالنَّهَرِ الَّذِي يَشُقُّهَا، فَأَجَازَ أَنْ يُجَمَّعَ بِبَغْدَادَ فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا، وَأَبَى أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُدُنِ. وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ مَا قَالَ، وَقَالَ: بَغْدَادَ مِصْرٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ إِحْدَى الْجَانِبَيْنِ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، حَتَّى يُفَارِقَ بُيُوتَ بَغْدَادَ؟، وَلَوْ حَلَفَ وَهُوَ فِي إِحْدَى الْجَانِبَيْنِ أَنْ لَا يَبِيتَ بِبَغْدَادَ حَنِثَ إِنْ بَاتَ فِي أَيِ الْجَانِبَيْنِ بَاتَ مِنْهَا؟.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُصَلَّى إِلَّا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مِنَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ تَكُنْ تُصَلَّى فِي عَهْدِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، إِلَّا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُعَطَّلُ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ، وَفِي تَعْطِيلِ النَّاسِ الصَّلَاةَ فِي مَسَاجِدِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَاجِتِمَاعِهِمْ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَبْيَنُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ خِلَافُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُصَلَّى إِلَّا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ قَوْلٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، أَرَأَيْتَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ لَا يَسَعُهُمُ الْمَسْجِدُ الْأَكْبَرُ، كَيْفَ يَصْنَعُونَ؟، قَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ مَسْجِدٌ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، قُلْتُ: الْحَقُّ عَلَيْهِمُ التَّجْمِيعُ فِي مَسَاجِدِهِمْ، ثُمَّ يُجْزِي ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنَ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ إِذَا لَمْ يُسْعْهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ حَسَنٌ.

.ذِكْرُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إِمَامٍ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَلَمْ يُكْمِلْهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: يَجْعَلُهَا ظُهْرًا، وَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يُتِمَّهَا جُمُعَةً، وَقَالَ النُّعْمَانُ: لَوْ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ، وَتَشَهَّدَ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الظُّهْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَقَالَ يَعْقُوبُ، وَمُحَمَّدٌ: صَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ إِذَا كَانَ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ سِوَاهُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِالنَّاسِ، حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمُ الْجُمُعَةَ، مَا لَمْ تَغِبِ الشَّمْسُ، هَذَا قَوْلُ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إِمَامٍ صَلَّى الْجُمُعَةَ، فَلَمَّا تَشَهَّدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، قَالَ: تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَقْصُورَةِ، فَرُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَقْصُورَةِ، وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَسَالِمٌ، وَنَافِعٌ يَرَوْنَ ذَلِكَ.
وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَقْصُورَةِ يَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَمِمَّنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي الْمَقْصُورَةِ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَابْنُ مُحَيْرِيزٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، إِلَّا أَنَّ إِسْحَاقَ، قَالَ: إِنْ صَلَّى فِيهَا جَازَ.
1867- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي فِي الْمَقْصُورَةِ الْمَكْتُوبَةَ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ يَخْرُجُ عَلَيْنَا مِنْهَا.
1868- حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ عِيسَى، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ فِي الْمَقْصُورَةِ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّلَاةُ فِيهَا جَائِزَةٌ، وَلَيْسَ فِي خُرُوجِ ابْنِ عُمَرَ مِنَ الْمَقْصُورَةِ، وَلَا فِي كَرَاهِيَةِ مَنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُصَلِّيًا لَوْ صَلَّى فِيهَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَهُمْ، وَلَا حُجَّةَ تُوجَدُ تُبْطِلُ صَلَاةَ مَنْ صَلَّى فِيهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.

.ذِكْرُ الصَّلَاةِ فِي الرِّحَابِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّلَاةِ فِي الرِّحَابِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا جُمُعَةَ إِنْ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ، كَذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ.
1869- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَنْ لِمْ يُصَلِّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا جُمُعَةَ لَهُ.
1870- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا عَفَّانُ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: لَا جُمُعَةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الصَّلَاةُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ، رُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي الْبَابِ الصَّغِيرِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَرَى رُكُوعَهُمْ وَسُجُودَهُمْ، وَجَمَّعَ أَنَسٌ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ فِي دَارِ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ، بَيْتٌ يُشْرِفُ عَلَى الْمَسْجِدِ لَهُ بَابٌ إِلَى الْمَسْجِدِ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ.
1871- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَبَلَةُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ فِي الْبَابِ الصَّغِيرِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يَرَى رُكُوعَهُمْ، وَسُجُودَهُمْ.
1872- حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَبَلَةُ بْنُ أَبِي سَلْمَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، يُشْرِفُ عَلَى الْمَسْجِدِ لَهُ بَابٌ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَكَانَ يُجْمِعُ فِيهِ وَيَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ. وَمِمَّنْ رَأَى الصَّلَاةَ فِي السُّدَّةِ عُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَمِمَّنْ رَأَى أَنَّ الصَّلَاةَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِصَلَاةِ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَجَالِسِ حَوَانِيتِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَوُصِفَتْ لَهُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَرَآَهَا مِثْلَ أَفْنِيَةِ الْمَسْجِدِ، إِذَا صَلَّى فِيهَا مِنْ ضِيقِ الْمَسْجِدِ.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَرَى الصَّلَاةَ جَائِزَةً إِذَا صَلَّوْا فِي بُيُوتٍ مُشْرِفِينَ عَلَى الْمَسْجِدِ نَحْوَ بُيُوتِ مَكَّةَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ طَرِيقٌ، وَرَخَّصَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ فِي الصَّلَاةِ فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ أَبُو مِجْلَزٍ يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ تُصَلِّي وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِمَامِ حَائِطٌ: إِذَا كَانَتْ تَسْمَعُ التَّكْبِيرَ أَجْزَأَهَا.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ الْإِمَامِ جَائِزَةً إِذَا صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ رَحْبَةٍ، أَوْ طَرِيقٍ يَتَّصِلُ بِهِ، أَوْ بِرَحْبَتِهِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ، أَوْ مُنْقَطِعَةٌ، فَصَلَاتُهُ تُجْزِيهِ إِذَا عَقَلَ صَلَاةَ الْإِمَامِ، بِأَحَدِ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ تَكْبِيرَهُ، أَوْ يَرَى رُكُوعَهُ، وَسُجُودَهُ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْإِمَامِ حَائِلٌ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، إِلَّا أَنْ تَتَّصِلَ الصُّفُوفُ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي رَجُلٍ صَلَّى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ حَائِطٌ، قَالَ: يُجْزِيهِ، فَإِنْ كَانَ طَرِيقًا رَفِيعَ النَّاسِ لَا يُجْزِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ قَوْمٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، صُفُوفًا مُتَّصِلَةً، فَإِنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ تَامَّةٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ صَفٌّ مِنْ نِسَائِهِمْ، فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: فِي أَهْلِ السَّفِينَتَيْنِ يُرِيدُ أَهْلُ إِحْدَى تِلْكَ السَّفِينَتَيْنِ أَنْ يَأْتَمُّوا بِإِمَامِ الْأُخْرَى، فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ السَّفِينَتَيْنِ فُرْجَةٌ قَدْرُ مَوْضِعِ فُرْجَةٍ أُخْرَى إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَمَامَ الْأُخْرَى، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَفْعَلَانِهِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَمَامَ الْإِمَامِ.
وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِيمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ: يُعِيدُ إِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ ظُهْرًا أَرْبَعًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّلَاةُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ.
1873- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِظَهْرِ الْبِنَاءِ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، فَيُصَلِّي بِصَلَاةِ الْإِمَامِ مَعَنَا.